سورة الحج - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحج)


        


{لَن يَنَالَ الله لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا ولكن يَنَالُهُ التقوى مِنكُمْ} أي لن يتقبل الله اللحوم والدماء ولكن يتقبل التقوى، أو لن يصيب رضا الله اللحوم المتصدق بها ولا الدماء المراقة بالنحر والمراد أصحاب اللحوم والدماء، والمعنى لن يرضى المضحون والمقربون ربهم إلا بمراعاة النية والإخلاص ورعاية شروط التقوى. وقيل: كان أهل الجاهلية إذا نحروا الإبل نضحوا الدماء حول البيت ولطخوه بالدم، فلما حج المسلمون أرادوا مثل ذلك فنزلت {كذلك سَخَّرَهَا لَكُمْ} أي البدن {لِتُكَبّرُواْ الله} لتسموا الله عند الذبح أو لتعظموا الله {على مَا هَدَاكُمْ} على ما أرشدكم إليه {وَبَشّرِ المحسنين} الممتثلين أوامره بالثواب {إِنَّ الله يُدَافِعُ} {يدفع} مكي وبصري وغيرهما يدافع أي يبالغ في الدفع عنهم {عَنِ الذين ءامَنُواْ} أي يدفع غائلة المشركين عن المؤمنين ونحوه {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والذين ءامَنُواْ} [غافر: 51] ثم علل ذلك بقوله {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ} في أمانة الله {كَفُورٌ} لنعمة الله أي لأنه لا يحب أضدادهم وهم الخونة الكفرة الذين يخونون الله والرسول ويخونون أماناتهم ويكفرون نعم الله ويغمطونها.
{أُذِنَ} مدني وبصري وعاصم {لِلَّذِينَ يقاتلون} بفتح التاء مدني وشامي وحفص، والمعنى أذن لهم في القتال فحذف المأذون فيه لدلالة يقاتلون عليه {بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ} بسبب كونهم مظلومين وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان مشركو مكة يؤذونهم أذىً شديداً وكانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين مضروب ومشجوج يتظلمون إليه فيقول لهم: اصبروا فإني لم أومر بالقتال حتى هاجر فأنزلت هذه الآية، وهي أول آية أذن فيها بالقتال بعدما نهى عنه في نيف وسبعين آية {وَإِنَّ الله على نَصْرِهِمْ} على نصر المؤمنين {لَقَدِيرٌ} قادر وهو بشارة للمؤمنين بالنصرة وهو مثل قوله {إن الله يدافع عن الذين آمنوا}


{الذين} في محل جر بدل من {الذين} أو نصب ب (أعني) أو رفع بإضمارهم {أُخْرِجُواْ مِن ديارهم} بمكة {بِغَيْرِ حَقّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا الله} أي بغير موجب سوى التوحيد الذي ينبغي أن يكون موجب التمكين لا موجب الإخراج ومثله {هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ ءامَنَّا بالله} [المائدة: 59] ومحل أن يقولوا جر بدل من {حق} والمعنى ما أخرجوا من ديارهم إلا بسبب قولهم {وَلَوْلاَ دَفْعُ الله} {دفاع} مدني ويعقوب {الناس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدّمَتْ} وبالتخفيف حجازي {صوامع وَبِيَعٌ وصلوات ومساجد} أي لولا إظهاره وتسليطه المسلمين على الكافرين بالمجاهدة لاستولى المشركون على أهل الملل المختلفة في أزمنتهم وعلى متعبداتهم فهدموها ولم يتركوا للنصارى بيعاً ولا لرهبانهم صوامع ولا لليهود صلوات أي كنائس. وسميت الكنيسة صلاة لأنها يصلى فيها ولا للمسلمين مساجد، أو لغلب المشركون في أمة محمد صلى الله عليه وسلم على المسلمين وعلى أهل الكتاب الذين في ذمتهم وهدموا متعبدات الفريقين، وقدم غير المساجد عليها لتقدمها وجوداً أو لقربها من التهديم {يُذْكَرُ فِيهَا اسم الله كَثِيراً} في المساجد أو في جميع ما تقدم {وَلَيَنصُرَنَّ الله مَن يَنصُرُهُ} أي ينصر دينه وأوليائه {إِنَّ الله لَقَوِيٌّ} على نصر أوليائه {عَزِيزٌ} على انتقام أعدائه.
{الذين} محله نصب بدل من {من ينصره} أو جر تابع ل {الذين أخرجوا} {إِنْ مكناهم فِى الأرض أَقَامُواْ الصلاة وَاتَوُاْ الزكواة وَأَمَرُواْ بالمعروف وَنَهَوْاْ عَنِ المنكر} هو إخبار من الله عما ستكون عليه سيرة المهاجرين إن مكنهم في الأرض وبسط لهم في الدنيا وكيف يقومون بأمر الدين، وفيه دليل صحة أمر الخلفاء الراشدين لأن الله عز وجل أعطاهم التمكين ونفاذ الأمر مع السيرة العادلة. وعن الحسن: هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم {وَلِلَّهِ عاقبة الأمور} أي مرجعها إلى حكمه وتقديره، وفيه تأكيد لما وعده من إظهار أوليائه وإعلاء كلمته.


{وَإِن يُكَذّبُوكَ} هذه تسلية لمحمد صلى الله عليه وسلم من تكذيب أهل مكة إياه أي لست بأوحدي في التكذيب {فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ} قبل قومك {قَوْمُ نُوحٍ} نوحاً {وَعَادٌ} هوداً {وَثَمُودُ} صالحاً {وَقَوْمِ إبراهيم} إبراهيم {وَقَوْمُ لُوطٍ} لوطاً {وأصحاب مَدْيَنَ} شعيباً {وَكُذّبَ موسى} كذبه فرعون والقبط ولم يقل وقوم موسى لأن موسى ما كذبه قومه بنو إسرائيل وإنما كذبه غير قومه، أو كأنه قيل بعدما ذكر تكذيب كل قوم رسولهم وكذب موسى أيضاً مع وضوح آياته وظهور معجزاته فما ظنك بغيره! {فَأمْلَيْتُ للكافرين} أمهلتهم وأخرت عقوبتهم {ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ} عاقبتهم على كفرهم {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} إنكاري وتغييري حيث أبدلتهم بالنعم نقماً وبالحياة هلاكاً وبالعمارة خراباً. {نكيري} بالياء في الوصل والوقف: يعقوب {فَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ أهلكناها} {أهلكتها} بصري {وَهِىَ ظالمة} حال أي وأهلها مشركون {فَهِىَ خَاوِيَةٌ} ساقطة من خوى النجم إذا سقط {على عُرُوشِهَا} يتعلق ب {خاوية} والمعنى أنها ساقطة على سقوفها أي خرت سقوفها على الأرض ثم تهدمت حيطانها فسقطت فوق السقوف، ولا محل ل {فهي خاوية} من الإعراب لأنها معطوفة على {أهلكناها} وهذا الفعل ليس له محل، وهذا إذا جعلنا {كأين} منصوب المحل على تقدير كثيراً من القرى أهلكناها {وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ} أي متروكة لفقد دلوها ورشائها وفقد تفقدها، أو هي عامرة فيها الماء ومعها آلات الاستقاء إلا أنها عطلت أي تركت لا يستقي منها لهلاك أهلها {وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ} مجصص من الشيد الجص أو مرفوع البنيان من شاد البناء رفعه، والمعنى كم قرية أهلكناها وكم بئر عطلناها عن سقاتها وقصر مشيد أخليناه عن ساكنيه أي أهلكنا البادية والحاضرة جميعاً فخلت القصور عن أربابها والآبار عن واردها والأظهر أن البئر والقصر على العموم.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9